كثر الكلام في هذا الموضوع فخرج علينا بعض الناس الذين يدعون أنهم من أهل السلف الصالح .. والسلف الصالح برئ منهم. يقولون بان الاحتفال بمولده صلوات ربى وسلامه عليه بدعة ولا يجوز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وفي هذا الموضوع سنرد الأدلة التي ستنهي الجدال في هذا الموضوع وكما قلت لكم في البداية خير الكلام ماقل ودل. لذلك لن أطيل على حضراتكم. وسأذكر بعض الأدلة القليلة والتي لم يستطع أي وهابي أن يرد عليها. نبدأ على بركه الله.
بدايةً أول من احتفل بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الملك المظفر أبو سعيد كوكوبوري وليس كما يقول البعض أن أول من احتفل هم الفاطميون. وارجع الى البداية والنهاية /الجزء الثالث عشر/ ثم دخلت سنة ثلاثين وستمائة
أولاً من القرآن الكريم:
1. دليل من القرآن للرّدّ عمّن يحرّمون الاحتفال بمولد خير البريّة صلّى الله عليه وسلّم. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة يونس (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا). الله أمرنا أن نفرح يفضله ورحمته، وأيّ فضل وأيّ رحمة أنزلها الله لعباده أفضل من خلق محمّد صلّى الله عليه وسلّم وبعثته رسولاً نبيّاً للعالمين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). إذاً فالفرح بفضل الله ورحمته أمر مذكور في القرآن، ومن رحمة الله بعثة محمّد عليه الصّلاة والسّلام، إذاً أقول أين الحرام في ذلك والمسلمون في كلّ الدّنيا يفرحون لولادة خير البريّة الّذي هو من رحمات ربّ العالمين. الحمد لله على نعمة العقل السّليم.
2. إن القرآن الكريم يثني على أولئك الذين أكرموا النبي وعظموا شأنه وبجلوه إذ يقول: (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف 157. إن الأوصاف التي وردت في هذه الآية والتي استوجبت الثناء الإلهي هي: آمنوا به - وعزروه - ونصروه - واتبعوا النور الذى أنزل معه - فهل يحتمل أحد أن تختص هذه الجمل بزمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟ الجواب: لا، فإن الآية لا تعني الحاضرين في زمن النبي خاصة، فعندئذ من القطعي أن لا تختص جملة (عزروه) بزمان النبي، أضف إلى ذلك أن القائد العظيم يجب أن يكون موضعاً للتكريم والاحترام والتعظيم في كل العهود والأزمنة، فهل إقامة المجالس لإحياء ذكريات: المبعث أو المولد النبوي وإنشاء الخطب والمحاضرات والقصائد والمدائح إلا مصداقاً جلياً لقوله تعالى: (وَعَزَّرُوهُ) والتي تعني أكرموه وعظموه.
3. قال سبحانه: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) المائدة 114. فسيدنا عيسى عليه السلام اتخذ نزول المائدة السماوية والبركة الإلهية عيداً لأنه سبحانه أكرمه وأكرم تلاميذه بهذه المائدة، فإذا كانت المائدة السماوية سبباً لاتخاذ يوم نزولها عيداً فلماذا لا يجوز أن نتخذ يوم المولد النبوي الذي هو يوم البركة ويوم نزول المائدة المعنوية عيداً ؟؟؟!!!! هل يستطيع أن يدعي أحد أن وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من شريعة عظيمة خالدة، أقل بركة من المائدة التي نزلت على المسيح عليه السلام وتلاميذه؟
ثانياً من السنة:
1. جاء في «صحيح مسلم»: [حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن غيلان بن جرير سمع عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سئل عن صيامه ليوم الاثنين فقال: (ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ)، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود، إذ سعد به كل موجود. وهذا في معنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعنى موجود سواء كان ذلك بصيام، أو إطعام طعام، أو اجتماع على ذكر، أو صلاة على النبي، أو سماع شمائله الشريفة.
2. بنص السنة احتفال الصحابة شعراً بمولد النبي في حياته: روى البيهقي والطبراني والحاكم وذكرها القاضي عياض في الشفا، وابن القيم في الزاد، وابن كثير في السيرة أن خريم بن أوس بن حارثة بن لام يقول: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل لا يفضض الله فاك) فأنشد يقول:
من قبلها طبت في الظلال وفي * مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر * أنت ولا نطفة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد * ألجم نسراً وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم * إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندق علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأر * ض فضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي * ذلك النور وسبل الرشاد يخترق
قال الحافظ ابن حجر في الأمالي حديث حسن، ومن هذا الحديث نرى أن الصحابة رضى الله عنهم احتفلوا بالمولد النبوي الشريف ولكن بطريقة أخرى.
3. أن المولد اشتمل على اجتماع وذكر وصدقة، ومدح وتعظيم للجناب النبوي فهو سنة، وهذه أمور مطلوبة شرعاً وممدوحة، وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها. جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند قفوله من بعض غزواته، فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب على رأسك بالدف، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (أوفى بنذرك) .. الحديث مشهور، ولا شك أن الضرب بالدف من أنواع الفرح، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالوفاء بنذرها لما كان سبب ذلك فرحها بسلامته، فكذلك من أحدث احتفالات مباحاً عند فرحه بزمن ولادته صلى الله عليه وسلم، من غير التزام ولا نذر.
ثالثاً الإجماع ورأي علماء الأمة:
1. أن المولد أمر استحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد، وجرى به العمل في كل صقع، فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف: (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح) أخرجه أحمد. ويرى الفقهاء في أن الإجماع يصح أن يكون وجهاً شرعياً واعتباره دليلاً من أدلة الأحكام الشرعية، ودليل صحة الإجماع قوله تعالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) النساء 115، يقول ابن رشيد: لأن الله توعد باتباعهم غير سبيل المؤمنين فكان أمراً واجباً باتباع سبيلهم، وبقوله صلى الله لعيه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) فالإجماع مستند إلى كتاب أو سنة أو قياس يرجع إلى أحدهما. وقد أجمع الصحابة والتابعون وتابع التابعين على مشروعية الاحتفال بالمولد. ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر رأي أبي بكر الصديق رضى الله عنه: كانت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ومراعاة لهذه المناسبة، تمنى أبو بكر أن تكون وفاته يوم الاثنين: وهذا من مراعاة المناسبات والتبرك بها، والاحتفال بالمولد النبوي من هذا المعنى. فقد روى البخاري في باب الجنائز: باب موت يوم الاثنين عن عائشة قالت: دخلت على أبى بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاث أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت يوم الاثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل.. الحديث. قال القسطلاني: وترجى الصدّيق رضي الله عنه أن يموت يوم الاثنين لقصد التبرك وحصول الخير، لكونه عليه السلام توفي فيه فله مزية على غيره من الأيام بهذا الاعتبار. فهل يعترض المعترضون على أبي بكر، لمراعاة هذه المناسبة؟ كما يعترضون على أصحاب الموالد الذين يراعون أيضاً هذه المناسبة؟.
2. رأي الحافظ السخاوي: "إن عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة ثم لا زال أهل الإسلام لسائر الأقطار يعملون بالمولد ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم". المواهب اللدنية – 1 – 148 - طبعة ما يسمى المكتب الإسلامي.
3. قالَ الحافِظُ السيوطِيُّ عندَما سُئِلَ عَنْ عَمَلِ المولِدِ الشريفِ في رسالَةٍ سَمَّاها "حُسْنَ المقصِدِ في عَمَلِ المولِدِ" قالَ، واسمَعُوا جيدًا: "أَصْلُ عَمَلِ المولِدِ الذِي هو اجْتِمَاعُ الناسِ وقراءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرءَانِ ورِوَايةُ الأخبارِ الوَارِدَةِ في مَبْدَإِ أَمْرِ النَّبِيِّ وما وَقَعَ في مَوْلِدِهِ مِنَ الآياتِ، ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيرِ زِيادَةٍ على ذَلِكَ هو مِنَ البِدَعِ الحسنَةِ التِي يُثَابُ عليهَا صاحِبُهَا لِمَا فيهِ مِنْ تَعظيمِ قَدْرِ النَّبيِّ وإِظْهَارِ الفَرَحِ والاسْتِبْشَارِ بِمَوْلدِهِ الشريفِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ".
وهذا والله أعلم