رسالة الى طلبة العلم مع التحية ...
وفى هذه الورقة نعرض لأهم حجج وأدلة المعترضين على الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ، وستجد عزيزى القارىء أنها لاتثبت أمام النقد وهى أدلة قد أخذ صاحبها قرارا بالحكم اولا ثم بدأ يلوى نصوصا وأدلة لإثباته .
وفى هذه الورقة نعرض لأهم حجج وأدلة المعترضين على الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ، وستجد عزيزى القارىء أنها لاتثبت أمام النقد وهى أدلة قد أخذ صاحبها قرارا بالحكم اولا ثم بدأ يلوى نصوصا وأدلة لإثباته .
1- اول سند لهم حديث النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وحديث " إياكم ومحدثات الأمور فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار " فيقولون ان لفظة "كل" هنا تشمل العموم
وهم بهذا يجعلون علماء الأمة بل والصحابة أصحاب بدع وعلى رأسهم الخليفة عمر بن الخطاب
- فالقرآن لم يجمعه رسول الله وإنما جمع فى عهد أبو بكر الصديق
- نقل مقام ابراهيم من موضعه (ملاصقا للكعبة) الى مكان آخر حيث أبعده عمر بن الخطاب .
صلاة التراويح فى جماعة – فكرة بناء المراحيض والميضأة بالمسجد – زيادة الأذان الأول يوم الجمعة – زيادة ورحمة الله وبركاته فى التشهد بعد السلام عليك أيها النبى – وحديثا : ختم القرآن ليلة 27 من رمضان فى الحرم وغيرها من المحدثات
كل هؤلاء وغيرهم ابتدعوا أشياء رأوها حسنة ولم تكن فى عهد رسول الله ولم ياذن بها او يقرها النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بل إنها من ضمن العبادات .
فهل هؤلاء من اهل الضلال والبدع المنكرة !!!
2- يقولون لايوجد فى الدين شىء اسمه بدعة حسنة :
وهذا لايقوله إلا من يريد التفريق بين المسلمين وإشعال نار الفتن بينهم ،،،
- يقول الحافظ الإمام النووى فى قول النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :"كل بدعة ضلالة " هذا عام مخصوص ، والمراد غالب البدع ، والبدعة مالم يكن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهى منقسمة الى حسنة وقبيحة (يقول هذا فى شرحه لصحيح مسلم )
- ويقول أمير المؤمنين فى الحديث الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلانى شارح صحيح البخارى :"وكل مالم يكن فى زمنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يسمى بدعة ، لكن منها مايكون حسن ومنها مايكون خلاف ذلك "
- والامام الشافعى يقول : البدعة بدعتان : بدعة محمودة وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم
- وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام : البدعة منقسمة الى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، وذلك بعرضها على قواعد الشريعة ، فإن دخلت فى قواعد الإيجاب فهى واجبة وان دخلت فى قواعد التحريم فهى محرمة ...... الخ
3- يقولون ان الدولة الفاطمية العبيدية الشيعية التى حكمت مصر 357-567هجرية هم أول من أحدث المولد النبوى وهذا وهم ، فالحافظ ابن كثير يقول فى البداية والنهاية أن الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى أحد الملوك الأمجاد له آثار حسنة وكان يعمل المولد الشريف فى ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا ....الخ ما قال .
4- يقولون إن النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم يحتفل بمولده والصحابة لم يحتفلوا بمولد النبى ولو كان الاحتفال بمولده مشروع أو ذو فائدة لاحتفل به النبى والصحابة ، وحين نحتفل به نحن فإننا نتهمهم بأنهم كتموا عنا شيئا ولم يدلونا عليه .
وهذا كلام المجادلين بالباطل :
فكون شىء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ليس معناه أنه حرام ، ولا يشك عاقل فى فرح الصحابة به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ولا فرح التابعين بمن رأوه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، لكن الفرح به يأخذ أساليب وأشكالا مختلفة حسب الشخص وحسب العصر والعادات والسلوكيات ، ولا حرج فى الأساليب والمظاهر ، فالفرح به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عبادة لكن التعبير عن هذا الفرح وسيلة يباح فيها كل المباحات ولكل وجهة هو موليها ، فمن يفرح ويعبر عن فرحه بتلاوة الكتاب الذى نزل عليه ومن يفرح بمدحه ومن يفرح بإطعام الطعام ومن يفرح ببذل المال ومن يفرح بتأليف كتاب ومن يفرح بمدارسة سيرته بل إن العباس فرح بالرقص أمامه حين قال له : أشبهت خلقى وخلقى .
فالفرح به من الأمور الأساسية فى الدين ، بل إن الفرح بمولده على الخصوص يخفف العذاب عن أبى لهب وهو من أشد الناس كفرا وذلك لأنه فرح بمولده وأعتق جاريته ثويبية كما جاء فى صحيح البخارى .
5- يقرون أن الاحتفال بالمولد النبوى حرام ، ولا يدرون أنهم بهذا يخالفون قاعدة أصولية جليلة من قواعد الأصول وهى التى تقول : لا تشرع عبادة إلا بشرع الله ، ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله .
فما سكت عنه الوحى غير محظور ولا منهى عنه ، وقد فهم الصحابة الكرام هذا حين قالوا :"كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كان شىء ينهى عنه لنهى عنه القرآن " (عن سيدنا جابر) ، فهذا فهم عظيم للصحابة الكرام ، فما اعتاده الناس مما لايضاد الشرع فهو غير محظور ولا منهى عنه
6- الحديث والقاعدة "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار "
هذا الأصل خاص بقسم العبادات حيث أن الأصل فيها التوقيف ولا يجوز إحداث عبادة مبتدعة ، لكن الاحتفال بالمولد النبوى من قسم العادات ومن نقله الى قسم العبادات فهو مغالط وصاحب هوى ، وأكرر أن محبة النبى من أركان الإسلام والعبادات لكن التعبير عن المحبة من قسم العادات .
فكل خير تشمله الأدلة الشرعية ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين .
7- الحديث الشريف :" كل محدثة بدعة ..." يفسره حديث :" من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
فلفظ ما ليس منه هو تفسير للبدع المحظورة وتفسير للأمر المحدث المعتبر بدعة وضلالة ، أى ليس له سند ظاهر أو خفى من الكتاب والسنة ، وهذا مايقوله عون المعبود شرح سنن ابو داود وايضا وما يقوله فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام المناوى وما يقوله شرح المبسوط لشمس الأئمة السرخسى وهم مراجع أهل السنة والجماعة .
8- يقولون : إن تخصيص عبادة معينة فى وقت معين هو بدعة .
وهذه حجة مغلوطة :
لأن هذا القول مقصور على عبادات الفرائض مثل وقت الصلاة الفريضة ووقت الصيام المفروض ووقت وجوب الزكاة ووقت الحج ، أما مايختص بالعبادات التطوعية فهى مشروعة فى كل وقت باستثناء أوقات الكراهة ، أما سائر الأوقات الأخرى فإنه يباح فيها كل تطوع قولى أو فعلى من ذكر أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو تطوع صلاة أو صيام أو صدقة أو عمرة ، ففى فتح البارى مثلا أن سيدنا عبد الله بن عمر كان يذكر الناس بالمواعظ كل يوم خميس ويقول : قال الله تعالى لسيدنا موسى :"وذكرهم بأيام الله"
9- يقولون : لو كان الاحتفال بالمولد خيرا محضا أو راجحا لكان الصحابة أحق به منا .
وهذا جدل فى جدل ، فشتان بين عهد الصحابة والتابعين وانشغالهم فى كل أوقاتهم وأحوالهم بالنبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبين عهدنا الذى شغلت الدنيا مؤمنهم قبل شقيهم .
الصحابة لاحاجة لهم بالذكرى لأنهم عاشوها بالفعل ، أما نحن فنحتاج إلى أن نعيشها بفكرنا وعقولنا وعواطفنا فيها ، بل إن الصحابة كانوا يروون مغازى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأولادهم كما كانوا يحفظونهم السورة من القرآن (كما فى حديث سعد بن ابى وقاص)
إننا فى عصر غاب الناس عن نبيهم وانشغلت عقولهم وضمائرهم بالدنيا وأصبحت التحسينات ضروريات وانقلب الميزان والواقع يدل على هذا : فلتنزل الشارع وتسأل أفراد الأمة عن زوجات النبى أو خصائصه أو عدد أولاده أو عدد من بايعوا بيعة العقبة أو بيعة الرضوان او أى شىء فى سيرة الحبيب قلما تجد من يعلم مثل هذه الأمور ، فالتذكير بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة المحمدية وحقائق الوحى وحقائق الشخصية المحمدية أصبحت فريضة من الفرائض لا سنة ، ففيها ارتباط بين أفراد الأمة وبين شخص نبيهم تطبيقا للآية : " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة "
ويخطىء من يختصر هذا الارتباط ليكون ارتباطا بصحيح البخارى او مسلم أو باقى كتب السنة ، فإن الصحابة لم يكن لديهم كتب البخارى ومسلم لكن كان ارتباطهم بشخص سيد الخلق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
10- يقولون ليس فى شرعنا إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فقد تجاوز الحد وأتى بمنكر .
وهذا أيضا من المغالطات :
- فقد أخرج ابن جرير عن قبيصة بن أبى ذؤيب أن كعب الأحبار قال لسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه : لو غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذى نزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه ، فقال عمر : وأى آية ياكعب ؟ فقال :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " فقال عمر : لقد علمت اليوم الذى أنزلت فيه والمكان الذى انزلت فيه ، نزلت فى يوم جمعة ويوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد .
وهنا نجد سيدنا عمر بن الخطاب اعتبر يوم الجمعة عيد ويوم عرفة عيد ولم يستنكر اتخاذ يوم نزول الآية عيد ، ولم يقل إن المسلمين ليس لهم إلا عيدان .
وفيما رواه الامام أحمد فى المسند عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال :" يوم الجمعة عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا يوما قبله أو بعده "
فتسمية يوم الجمعة أو يوم عرفة عيدا إنما هو بالمجاز لكون اجتماع الناس والفرح والسرور رغم أنها ليست أعياد على الحقيقة ، ومثلما يقول قائل : كل يوم لانعصى الله فيه فهو لنا عيد ، أى يوم فرح وسرور ، ومن هذا يكون المولد النبوى الشريف عيد للمحبين يظهرون فيه الفرح بميلاد نبيهم وليس عيدا بالمعنى الاصطلاحى .
11- يقولون إن يوم ولادته هى يوم وفاته والأولى أن نحزن فى هذا اليوم بدلا من الفرح والسرو .
وهذا كلام باهت :
فولادته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أعظم النعم ووفاته أعظم المصائب ، لكن الشرع حثنا على إظهار الفرح عند الولادة بل وذبح الذبائح (العقيقة) وأمرنا بالسكون والصبر عند الوفاة .
فنحن فى هذا اليوم نظهر الفرح والسرو بمولده صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
12- يقولون : المحتفلين بالمولد يبالغون فى مدح النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ويطرونه إطراء المشركين والنبى نهى عن الإطراء ويضربون المثل على ذلك بانشاد البردة وفيها :
يا أكرم الخلق مالى من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ولا أدرى أهم لايفهمون المعنى أم يغالطون
فعوام الأمة يعرفون أن الحادث العمم هو يوم القيامة ، وفى هذا اليوم لايوجد ملاذ لجميع الخلق الا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كما وردت الأحاديث الصحيحة .
13- يقولون إن المولد النبوى يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء ويحدث استماع للمعازف وشرب للمسكرات .
طبعا هذا كلام يخالف الواقع ، لكن بافتراض حدوث هذا فهل الحل هو إلغاء الاحتفال بالمولد أم نزيل المنكرات ، وبالمثل يجب أن نلغى الأسواق لأن النبى يقول انها مسكن ابليس وجنوده ، وأيضا يجب إلغاء التفاسير لأنها مليئة بالاسرائيليات ونلغى الأفراح لأن فيها رقص واختلاط ونلغى عيد الفطر لأن فيه اختلاط أيضا وسفور .
وهكذا فإن مايقوله الكارهون للاحتفال بالمولد النبوى حجج واهية مردود عليها ، وكان يجب أن يقولون إن هذا رأى ورأى ، يجب أن يقولون أن هذا رأينا ولكم رأيكم ، أما أن يتهمون المخالف بالبدعة والضلالة والشرك فهذا مما يؤدى الى الإرهاب الفكرى بل والإرهاب الاجرامى إذا كان بين شباب متهور مسوق لامرجعية لديه ولا حكمة عنده .
وهم بهذا يجعلون علماء الأمة بل والصحابة أصحاب بدع وعلى رأسهم الخليفة عمر بن الخطاب
- فالقرآن لم يجمعه رسول الله وإنما جمع فى عهد أبو بكر الصديق
- نقل مقام ابراهيم من موضعه (ملاصقا للكعبة) الى مكان آخر حيث أبعده عمر بن الخطاب .
صلاة التراويح فى جماعة – فكرة بناء المراحيض والميضأة بالمسجد – زيادة الأذان الأول يوم الجمعة – زيادة ورحمة الله وبركاته فى التشهد بعد السلام عليك أيها النبى – وحديثا : ختم القرآن ليلة 27 من رمضان فى الحرم وغيرها من المحدثات
كل هؤلاء وغيرهم ابتدعوا أشياء رأوها حسنة ولم تكن فى عهد رسول الله ولم ياذن بها او يقرها النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بل إنها من ضمن العبادات .
فهل هؤلاء من اهل الضلال والبدع المنكرة !!!
2- يقولون لايوجد فى الدين شىء اسمه بدعة حسنة :
وهذا لايقوله إلا من يريد التفريق بين المسلمين وإشعال نار الفتن بينهم ،،،
- يقول الحافظ الإمام النووى فى قول النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :"كل بدعة ضلالة " هذا عام مخصوص ، والمراد غالب البدع ، والبدعة مالم يكن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وهى منقسمة الى حسنة وقبيحة (يقول هذا فى شرحه لصحيح مسلم )
- ويقول أمير المؤمنين فى الحديث الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر العسقلانى شارح صحيح البخارى :"وكل مالم يكن فى زمنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يسمى بدعة ، لكن منها مايكون حسن ومنها مايكون خلاف ذلك "
- والامام الشافعى يقول : البدعة بدعتان : بدعة محمودة وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم
- وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام : البدعة منقسمة الى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ، وذلك بعرضها على قواعد الشريعة ، فإن دخلت فى قواعد الإيجاب فهى واجبة وان دخلت فى قواعد التحريم فهى محرمة ...... الخ
3- يقولون ان الدولة الفاطمية العبيدية الشيعية التى حكمت مصر 357-567هجرية هم أول من أحدث المولد النبوى وهذا وهم ، فالحافظ ابن كثير يقول فى البداية والنهاية أن الملك المظفر أبو سعيد كوكبرى أحد الملوك الأمجاد له آثار حسنة وكان يعمل المولد الشريف فى ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا ....الخ ما قال .
4- يقولون إن النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم يحتفل بمولده والصحابة لم يحتفلوا بمولد النبى ولو كان الاحتفال بمولده مشروع أو ذو فائدة لاحتفل به النبى والصحابة ، وحين نحتفل به نحن فإننا نتهمهم بأنهم كتموا عنا شيئا ولم يدلونا عليه .
وهذا كلام المجادلين بالباطل :
فكون شىء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ليس معناه أنه حرام ، ولا يشك عاقل فى فرح الصحابة به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ولا فرح التابعين بمن رأوه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، لكن الفرح به يأخذ أساليب وأشكالا مختلفة حسب الشخص وحسب العصر والعادات والسلوكيات ، ولا حرج فى الأساليب والمظاهر ، فالفرح به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عبادة لكن التعبير عن هذا الفرح وسيلة يباح فيها كل المباحات ولكل وجهة هو موليها ، فمن يفرح ويعبر عن فرحه بتلاوة الكتاب الذى نزل عليه ومن يفرح بمدحه ومن يفرح بإطعام الطعام ومن يفرح ببذل المال ومن يفرح بتأليف كتاب ومن يفرح بمدارسة سيرته بل إن العباس فرح بالرقص أمامه حين قال له : أشبهت خلقى وخلقى .
فالفرح به من الأمور الأساسية فى الدين ، بل إن الفرح بمولده على الخصوص يخفف العذاب عن أبى لهب وهو من أشد الناس كفرا وذلك لأنه فرح بمولده وأعتق جاريته ثويبية كما جاء فى صحيح البخارى .
5- يقرون أن الاحتفال بالمولد النبوى حرام ، ولا يدرون أنهم بهذا يخالفون قاعدة أصولية جليلة من قواعد الأصول وهى التى تقول : لا تشرع عبادة إلا بشرع الله ، ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله .
فما سكت عنه الوحى غير محظور ولا منهى عنه ، وقد فهم الصحابة الكرام هذا حين قالوا :"كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كان شىء ينهى عنه لنهى عنه القرآن " (عن سيدنا جابر) ، فهذا فهم عظيم للصحابة الكرام ، فما اعتاده الناس مما لايضاد الشرع فهو غير محظور ولا منهى عنه
6- الحديث والقاعدة "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار "
هذا الأصل خاص بقسم العبادات حيث أن الأصل فيها التوقيف ولا يجوز إحداث عبادة مبتدعة ، لكن الاحتفال بالمولد النبوى من قسم العادات ومن نقله الى قسم العبادات فهو مغالط وصاحب هوى ، وأكرر أن محبة النبى من أركان الإسلام والعبادات لكن التعبير عن المحبة من قسم العادات .
فكل خير تشمله الأدلة الشرعية ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين .
7- الحديث الشريف :" كل محدثة بدعة ..." يفسره حديث :" من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
فلفظ ما ليس منه هو تفسير للبدع المحظورة وتفسير للأمر المحدث المعتبر بدعة وضلالة ، أى ليس له سند ظاهر أو خفى من الكتاب والسنة ، وهذا مايقوله عون المعبود شرح سنن ابو داود وايضا وما يقوله فيض القدير شرح الجامع الصغير للإمام المناوى وما يقوله شرح المبسوط لشمس الأئمة السرخسى وهم مراجع أهل السنة والجماعة .
8- يقولون : إن تخصيص عبادة معينة فى وقت معين هو بدعة .
وهذه حجة مغلوطة :
لأن هذا القول مقصور على عبادات الفرائض مثل وقت الصلاة الفريضة ووقت الصيام المفروض ووقت وجوب الزكاة ووقت الحج ، أما مايختص بالعبادات التطوعية فهى مشروعة فى كل وقت باستثناء أوقات الكراهة ، أما سائر الأوقات الأخرى فإنه يباح فيها كل تطوع قولى أو فعلى من ذكر أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو تطوع صلاة أو صيام أو صدقة أو عمرة ، ففى فتح البارى مثلا أن سيدنا عبد الله بن عمر كان يذكر الناس بالمواعظ كل يوم خميس ويقول : قال الله تعالى لسيدنا موسى :"وذكرهم بأيام الله"
9- يقولون : لو كان الاحتفال بالمولد خيرا محضا أو راجحا لكان الصحابة أحق به منا .
وهذا جدل فى جدل ، فشتان بين عهد الصحابة والتابعين وانشغالهم فى كل أوقاتهم وأحوالهم بالنبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبين عهدنا الذى شغلت الدنيا مؤمنهم قبل شقيهم .
الصحابة لاحاجة لهم بالذكرى لأنهم عاشوها بالفعل ، أما نحن فنحتاج إلى أن نعيشها بفكرنا وعقولنا وعواطفنا فيها ، بل إن الصحابة كانوا يروون مغازى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأولادهم كما كانوا يحفظونهم السورة من القرآن (كما فى حديث سعد بن ابى وقاص)
إننا فى عصر غاب الناس عن نبيهم وانشغلت عقولهم وضمائرهم بالدنيا وأصبحت التحسينات ضروريات وانقلب الميزان والواقع يدل على هذا : فلتنزل الشارع وتسأل أفراد الأمة عن زوجات النبى أو خصائصه أو عدد أولاده أو عدد من بايعوا بيعة العقبة أو بيعة الرضوان او أى شىء فى سيرة الحبيب قلما تجد من يعلم مثل هذه الأمور ، فالتذكير بحقائق السيرة النبوية وحقائق الرسالة المحمدية وحقائق الوحى وحقائق الشخصية المحمدية أصبحت فريضة من الفرائض لا سنة ، ففيها ارتباط بين أفراد الأمة وبين شخص نبيهم تطبيقا للآية : " لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة "
ويخطىء من يختصر هذا الارتباط ليكون ارتباطا بصحيح البخارى او مسلم أو باقى كتب السنة ، فإن الصحابة لم يكن لديهم كتب البخارى ومسلم لكن كان ارتباطهم بشخص سيد الخلق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
10- يقولون ليس فى شرعنا إلا عيدان فقط ومن أتى بثالث فقد تجاوز الحد وأتى بمنكر .
وهذا أيضا من المغالطات :
- فقد أخرج ابن جرير عن قبيصة بن أبى ذؤيب أن كعب الأحبار قال لسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه : لو غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذى نزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه ، فقال عمر : وأى آية ياكعب ؟ فقال :" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " فقال عمر : لقد علمت اليوم الذى أنزلت فيه والمكان الذى انزلت فيه ، نزلت فى يوم جمعة ويوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد .
وهنا نجد سيدنا عمر بن الخطاب اعتبر يوم الجمعة عيد ويوم عرفة عيد ولم يستنكر اتخاذ يوم نزول الآية عيد ، ولم يقل إن المسلمين ليس لهم إلا عيدان .
وفيما رواه الامام أحمد فى المسند عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال :" يوم الجمعة عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا يوما قبله أو بعده "
فتسمية يوم الجمعة أو يوم عرفة عيدا إنما هو بالمجاز لكون اجتماع الناس والفرح والسرور رغم أنها ليست أعياد على الحقيقة ، ومثلما يقول قائل : كل يوم لانعصى الله فيه فهو لنا عيد ، أى يوم فرح وسرور ، ومن هذا يكون المولد النبوى الشريف عيد للمحبين يظهرون فيه الفرح بميلاد نبيهم وليس عيدا بالمعنى الاصطلاحى .
11- يقولون إن يوم ولادته هى يوم وفاته والأولى أن نحزن فى هذا اليوم بدلا من الفرح والسرو .
وهذا كلام باهت :
فولادته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أعظم النعم ووفاته أعظم المصائب ، لكن الشرع حثنا على إظهار الفرح عند الولادة بل وذبح الذبائح (العقيقة) وأمرنا بالسكون والصبر عند الوفاة .
فنحن فى هذا اليوم نظهر الفرح والسرو بمولده صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
12- يقولون : المحتفلين بالمولد يبالغون فى مدح النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ويطرونه إطراء المشركين والنبى نهى عن الإطراء ويضربون المثل على ذلك بانشاد البردة وفيها :
يا أكرم الخلق مالى من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ولا أدرى أهم لايفهمون المعنى أم يغالطون
فعوام الأمة يعرفون أن الحادث العمم هو يوم القيامة ، وفى هذا اليوم لايوجد ملاذ لجميع الخلق الا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كما وردت الأحاديث الصحيحة .
13- يقولون إن المولد النبوى يحصل فيه اختلاط بين الرجال والنساء ويحدث استماع للمعازف وشرب للمسكرات .
طبعا هذا كلام يخالف الواقع ، لكن بافتراض حدوث هذا فهل الحل هو إلغاء الاحتفال بالمولد أم نزيل المنكرات ، وبالمثل يجب أن نلغى الأسواق لأن النبى يقول انها مسكن ابليس وجنوده ، وأيضا يجب إلغاء التفاسير لأنها مليئة بالاسرائيليات ونلغى الأفراح لأن فيها رقص واختلاط ونلغى عيد الفطر لأن فيه اختلاط أيضا وسفور .
وهكذا فإن مايقوله الكارهون للاحتفال بالمولد النبوى حجج واهية مردود عليها ، وكان يجب أن يقولون إن هذا رأى ورأى ، يجب أن يقولون أن هذا رأينا ولكم رأيكم ، أما أن يتهمون المخالف بالبدعة والضلالة والشرك فهذا مما يؤدى الى الإرهاب الفكرى بل والإرهاب الاجرامى إذا كان بين شباب متهور مسوق لامرجعية لديه ولا حكمة عنده .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق